منذ بدء الثورة السورية، التزم الفنانون السوريون الصمت وعندما تكلموا، أبدوا موقفهم المعارض للثورة والمؤيد للرئيس السوري بشار الاسد، عكس ما حدث عند الثورة المصرية، حيث ظهرت بعض الأسماء التي كان لها دور كبير في تحول مسار الثورة مثل الكاتب بلال فضل والفنانان أحمد حلمي وعمرو واكد والمخرج خالد يوسف.
إلا أن حال الفنانين السوريين قد اختلف، لتأتي تصريحاتهم متأخرة، فلم تظهر الا بعد مرور أسابيع من بدء المظاهرات في سوريا، لنجد أنهم وقعوا في نفس الشرك الذي نصبته لهم الحكومة السورية، حيث اتسمت آراء معظمهم بالحذر الشديد (إن كانت الى جانب الشعب السوري)، أو بالنفاق الشديد (إن كانت الى جانب الحكومة السورية)، وهو الأمر الذي أثار استهجان الشعب السوري و العربي ككل.
وجاء رأي الفنانة السورية جمانة مراد مغلفا بالحذر الشديد، حيث قالت: "قلبي يبكي على الشهداء، وأتمنى أن تنتهي هذه المحنة سريعا، ولا تسيل المزيد من دماء أبناء وطني الذي أعتز وأفتخر به، كما أنني أدعي يوميا في صلواتي أن يرحم الله شهداء بلدي و شهداء الوطن العربي أجمع". وتعتبر تصريحات الفنانة جمانة حذرة و عامة، فهي لا تعبر عن موقفها سواء كان مع الشعب أم مع الحكومة السورية، و قد جاء على غرارها تصريحات الكثير من الفنانين السوريين.
من ناحية أخرى، شكل رأي المطربة ميادة الحناوي صدمة للكثيرين، لتقولها صراحة: "أنا لحم كتافي من خير سوريا الأسد"، إلا أنها فسرت ذلك بقولها: "أنا سورية، وهويتي سورية، وجواز سفري سوري، ولم أتنكّر لبلدي، لكنّني مع الحوار الهادئ بين الشعب والحكومة وتلبية مطالبه المحقة".
وكانت إحدى الصحافيات انتقدت الحناوي خلال المؤتمر الصحافي الذي أقيم لها في المغرب، وعاتبتها قائلةً بأنّ بلدها يحترق بينما هي تغنّي في "موزاين"، وهنا ردت ميادة بأنّ لديها 30 عازفاً في فرقتها لديهم عائلات، وإن لم تأتِ إلى المهرجان، فكيف ستعيش عائلاتهم، مؤكدة أنّ الأخبار في سوريا ليس كما نراها على قناة "العربية" و"الجزيرة"، وأضافت أنّها وافقت على المشاركة في المهرجان قبل اندلاع الأحداث، حسب ما ذكرته مجلة "زهرة الخليج" الإماراتية.
أما الحديث الذي شكل صدمة كبرى للمواطن السوري أولا والعربي ثانيا، فهو الحديث التلفزيوني للفنان دريد لحام والذي واجه العديد من الانتقادات اللاذعة، والذي أكد من خلاله أن ما يقوم به الجيش السوري الآن هو محاولة منه للحفاظ على "السلم الأهلي"، مضيفا: "هذا ما يفعله الجيش في الأحداث الجارية"، مؤكدا أن المهمة الأساسية للجيش ليس محاربة إسرائيل!
وشكك لحام في مصداقية المفكرين والمحللين السياسيين الذين انتقدوا تصرفات الحكومة السورية، كما أكد على أنه لا يجب على المشاهدين تصديق كل ما يرونه في القنوات الاخبارية، وشن هجوما على عزمي بشارة قائلا: "سوريا كانت تعتبره صديقاً وعلى هذا الأساس تعاملت معه إلا إنه كان يلبس لبوس الشيطان".
أما موقف الفنان جمال سليمان قد عانى من بعض التضاربات، إلا أنه أكد أخيرا تأييده للثورة السورية و ما تحمله من معاني سامية و حقوق مشروعة لشعب كبت طويلا.
وحددت الفنانة المعتزلة نورمان أسعد موقفها، معتبرة أن ما يحدث في سوريا الآن ما هو إلا مؤامرة تحاك على بلادها، الهدف منها هو القتل و التخريب، و أكدت أن بعض القنوات الإخبارية العربية قد شوهت الصورة الحقيقية للأحداث الجارية، متهمة إياها بتقديم كذب منظم و مباشر للجمهور العربي، مشيرةً إلى أنّها واثقة من النهج الإصلاحي للرئيس بشار الأسد.
وصرحت الفنانة سلاف فواخرجي، على أنها مع الاصلاح الذي نادى به الرئيس بشار الأسد، حالها حال جميع السوريين، داعيةً الناس إلى الالتفاف حوله لإنجاز هذا الإصلاح لتصبح سوريا أفضل، وقالت إنّه حين تنشغل الأم عن ابنها ولا تسمعه، فمن حقه أن يصرخ كي تسمعه، مضيفةً أنّ هناك أناساً على حق ومطالبهم محقة. ووجهت سلاف تحية للجيش السوري ولكل دم شريف نزف في سوريا، واصفةً الشهداء الذين سقطوا في الأحداث بأنّهم ياسمين الشام الأبيض المعروف في تاريخ سوريا.
وقد اتسم رأي المغنية السورية أصالة بالجرأة الشديدة، وهي صراحة لم نعتد عليها من قبل فنانينا العرب، لتصرح عن رأيها قائلة: "لا أستطيع فهم موقف الفنانين غير المؤيد للشعب، هل يأتي ذلك نتيجة لخوفهم من شئ معين، أو خوفهم على أعمالهم، إلا أن مصير الجبان هو أن ينتهي، وحتى إن كانت الحكومات ظالمة بنسبة واحد في الألف، فنحن لا نتبع الحكومات، نحن نتبع الشعب"
وبالرغم من أن أصالة قد سبق وأن غنت للسلطة السورية، كانت مقربة و بشكل كبير من السلطة السورية، و الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي كان له اهتمام خاص بها وساعدها في أكثر من مرحلة في حياتها، إلا أن ذلك لم يؤثر على حكمها ودفاعها على أبناء شعبها من وجهة نظرها.
وأكد المخرج سيف الدين سبيعي أن ما يحدث في سوريا ما هو الا مؤامرة لئيمة، مشيرا الى أن المظاهرات التي تقوم القنوات الاخبارية ببثها مفبركة، حيث يخرج عدد من الناس حاملين لافتات معارضة للحكومة لمدة 5 دقائق كي يتم تصويرهم و تنتهي بذلك المظاهرة، كما أكد على انه ليس من دور الفنانين أن يحللوا الأوضاع السياسية و يعبروا عن آرائهم بشأنها، فهذا شأن المحللين السياسيين و الوزراء لا الفنانين.
ودعا في نهاية حديثه المتظاهرين الذين لم يبلغ عددهم 200 الف شخص منذ بداية الأحداث (على حد قوله) أن يفكروا بالـ22 مليون سوري الاخرين، الذين لا يريدون اشعال الفتن و الراضين عن مسيرة الاصلاح التي يقودها بشار الأسد، مؤكدا أنه إن لم تأت إصلاحات الرئيس الجديدة بالنتائج المرجوة، خلال ستة أشهر، فسيكون هو أول المتظاهرين.
وعقبت الفنانة أمل عرفة على حديثه قائلة: "أنا لا أفهم بالسياسة، ولكني أستغرب من انتقادات البعض للفنانين السوريين لتأخرهم في التعليق على الأحداث الجارية، فنحن نرى الأوضاع المتأزمة في لبنان، فلماذا لم نشهد أي انتقادات للفنانة إليسا مثلا او لراغب علامة لعدم تعليقهم على الأحداث!"، وأضافت أمل: "ما أنا متأكدة منه هو أني ضد الدم وضد الشغب، أنت كمتظاهر إن أردت أن تأخذني من خلال تظاهراتك إلى مكان أفضل وأجمل (يقصد بها الأوضاع السياسية في سوريا) فأنا معك، أما أن تأخذني إلى المجهول فأقول لك لا".
وقالت: "أنا لا أستطيع فهم كيف يسمح لأوباما بقتل "الإرهابي الكبير" أسامة بن لادن ورمي جثته في البحر لأنه إرهابي، ولا يسمح لسوريا بالقضاء على الإرهابيين والإرهاب الواقع داخل أراضيها".
أما الفنان باسم ياخور فعلق على الأحداث قائلا: "إن ما تقوم به بعض القنوات العربية الاخبارية والتي تدعي الوضوح والشفافية هو افتراء ومحاولة لتضخيم الأحداث، فقد نزلنا أنا وعباس النوري وبعض الفنانين الآخرين لمناطق الأحداث لنرى بأم اعيننا ما يجري، لنفاجأ بأن كل ما ذكر على التلفاز من أعمال شغب وتظاهرات غير موجودة على أرض الواقع، لقد كنا نستمع إلى النشرة الإخبارية التي تقول إن هناك مظاهرات عنيفة في المنطقة الفلانية، بالتزامن مع وجودنا فيها، لنكتشف أنه لا أساس لها من الصحة.
وأكد ياخور أن الحملات الاحتجاجية المقامة على بعض المواقع الاجتماعية مثل "الفيسبوك" ما هي إلا محاولة دنيئة لإشعال الفتن في البلاد، فلا يوجد اسم لشخص بعينه يقود هذه الحملات مثل ما حدث في مصر مع وائل غنيم، بل هم أشخاص مغرضون يختبؤون وراء أسماء غير حقيقية، حتى أن أحدهم سرق الحساب الخاص بي على الـ "فيسبوك" ونشر كلاما ملفقا على لساني.
أما التصريحات النارية التي أدلى بها الفنان عباس النوري خلال لقاء آخر له فحملت معان خطيرة، حيث عبر عما جرى في مصر بقوله: "ما جرى بمصر وما زال يجري حتى الان، هو عبارة عن تهديم و تخريب حقيقي، ولكي تستطيع تسمية ما تقوم به ثورة فأنت أمام مشروع لابد أن يكون ربعه، كحد أدنى، جاهز، فلا توجد رؤية سياسية ولا أي معالم واضحة تؤهل هذا الشعب لإعادة إنتاج سلطة جديدة كالتي طالب فيها بميدان التحرير، وكنت أتمنى أن أرى إحدى تلك اللافتات التي تم حملها في الميدان وهي تذهب باتجاه السفارة الاسرائيلية".
كما أكد النوري أن الفلسطيني بسوريا مرتاح بشكل كبير أكثر من ارتياحه في أي بلد آخر في العالم، وذلك لأنه يعامل مثله مثل السوري، (في إشارة منه إلى استقرار الأحوال في سوريا في ظل عهد الأسد)، وتابع: "بشار الأسد هو رمز الوحدة الوطنية وسوريا أكثر بلاد العالم ديموقراطية".
وأكد النوري أن للولايات المتحدة يد فيما يحدث في الوطن العربي الآن: "رغبة أوبرا مثلا في تقديم حلقة من ميدان التحرير كنوع من المكافأة لما حققه الشعب المصري من إنجازات هي إشارة سلبية وتأكيد على وجود أجندات ونوايا أجنبية وأمريكية خاصة، وهذا ما يخوفنا على الشعب المصري الآن".