الدعـــــاء أرجوا التثبيت

الدعـــــاء:

الدعاء هو الابتهال إلى الله بالسؤال والرغبة فيما عنده من الخير والتضرع إليه فى تحقيق المطلوب وإدراك المأمول .

حاجة الناس إلى الدعاء :

لقد أحس الناس من قديم الزمان أنهم ولا سيما فى حالة العسر وفى لحظات الضيق بحاجة إلى قوة فوق قوتهم لكى يستعينوا بها على جلب الخير ودفع المكروه إلا أن كثيراً منهم قد خانهم التوفيق فى الاهتداء إلى مصدر هذه القوة بعضهم تمثلها فى النار وبعضهم تمثلها فى النور أو الظلام وبعضهم تمثلها فى التماثيل والأصنام وقد اشتركوا جميعاً فى تقديس هذه الآلهة الزائفة بالتقرب والدعاء . والإنسان خلق ضعيفاً وتضعفه النوائب والأحزان والنوازل وتضعفه الهواجس فيزداد ضعفا على ضعف فلابد له فى هذه الحاله من قوة تعينه فالمسلم يعلم تماما ليس مثل غيره أن الركن الشديد والقوة الجبارة هى قوة مجيب المضطر إذا دعاه وهو الله سبحانه القائل ( أمن يحيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )

منزلة الدعاء :

ومما يدل على أن للدعاء منزلة عظيمة عند الله أنه سبحانه حضنا فى كثير من آياته على الدعاء والأكثار منه والإلحاح فيه والتقرب إليه به إذ الدعاء هو العروة الوثقى التى يتعلق بها العبد فيما هو بسبيله من أعمال أو فيما هو قادم عليه من أهوال لأن العبد فى حال تضرعه إلى الله يكون مستأنسابر عاتيه ومطمئنا إلى معونته ولقد بين لنا النبى فضل الدعاء عند الله وأنه يسبق كل فضل فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ليس شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء ) وأمرنا أن نستعين بالله فى كل أمورنا صغيرها وكبيرها ، عظيمها وصغيرها فقال ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعليه ) وقال أيضا ( من لا يسأل الله بغضب عليه ) وقال ( الدعاء هو العبادة ) والدعاء مخ العبادة ومعنى كون الدعاء هو العبادة أن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد فهو عمادها ودعامتها وركنها وشعيرتها والمسلم فى حال الدعاء يكون فى أسمى درجات الصفاء الروحى والنقاء النفسى ويكون بذلك مؤديا لأشرف ألوان العبادة .

آداب الدعاء :

- يستقبل الداعى القبلة ويرفع يديه ثم يمسح بهما وجهه بعج بالدعاء تأسيا برسول الله فعن عبد الله بن زيد رضى الله عنه قال أخرج رسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقى فدعا واستسقى واستقبل القبله ، وقال أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه ( دعا رسول الله صلى الله علية وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض ابطية ) وعن سلمان الفارسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن ربكم حبى كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صغرا ) وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ( كان رسول الله صلى الله علية وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما على وجهه ) وقال أبو الدرداء رضى الله عنه
( أرفعوا هذه الأيدى قبل أن تغل بالاغلال ) .

2- أن يفتح الداعى دعاءه بالثناء على الله باسمائه الحسنى وبالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وأن يجعل ذلك وسط الدعاء وآخره ، فعن فضاله بن عبيد رضى الله عنه قال : سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو فى صلاته فلم يصل عليه فقال النبى صلى الله علية وسلم عجل هذاثم دعاه فقال له ولغيره ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على ثم ليدع بما يشاء ) وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " كنت أصلى والنبى وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله والصلاة على رسول الله ثم دعوت لنفسى فقال النبى ( سل تعطه ، سل تعطه ) وعن بريده رضى الله عنه قال " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقول اللهم أنى أشهد أنك أنت الذى لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال ( والذى نفسى بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى ) .

3- أن يظهر الداعى الخشوع والتضرع حال دعائه وأن يلح فيه وأن يكرره ثلاثا وأن يبدأ بنفسه وأن يصدق الرجاء فى الإجابة دون تعجل أما التذلل والخشوع فى الدعاء فقد أمر الله بهما عبادة فقال ( إدعوا ربكم تضرعا وخفيه أنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب عن المحسنين وأما الالحاح فى الدعا فممدوح لإنه لون من ألوان التذلل والخضوع وحسن الظن بالله قال أبو زهير النمرى رضى الله عنه قال : خرجنا مع النبى ذات ليله فأتينا على رجل قد ألح فى الدعاء فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال
( أوجب أن ختم ) فقيل بأى شئ يختم يا رسول الله قال : بآمين . وانصرف فقيل للرجل يا فلان اختم بآمين وأبشر .

وأما تكرار الدعاء ثلاثا فقد كان من هدى النبى صلى الله علية وسلم ، فعن ابن مسعود رضى الله عنه قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا : وأيضاً كان من هديه أن يبدأ بنفسه فى الدعاء فعن أبى بن كعب رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله علية وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسة وقال الله " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ، رب اغفر لى ولأخى ".

4- ألا يعجل بالدعاء وألا يكون غافلاً .

قال صلى الله عليه وسلم ( إدعو الله وانتم موقنون بالاجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل ) وقال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول قد دعوت فلم يستجيب لى ) لأن التعجل قد يؤدى إلى منع الإجابة ، قال ابن عطاء فى حكمة ( لا يكن تأخر العطاء موجبا ليأسك فإنه سبحانه قد ضمن لك الإجابة بما يريدون فى الوقت الذى يريد ) .

5- أن يكون صوت الداعى بين المخافته والجهر ( ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها ) وذلك لأن الداعى فى موقف ضراعه إلى الله وتبتل إليه فينبغى عليه أن يخفض صوته حتى تكون أقرب إلى الخشوع وجوارحة أدنى إلى السكون ونفسه أكثر إخلاصاً وصفاء وقد أرشدنا الله إلى ذلك ( إدعوا ربكم تضرعا وخفيه ) ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) .

6- أن يحرص الداعى على جوامع الدعاء من القرآن والسنة وأن يبعد عن السجع المتكلف والألفاظ المبهمة والمعانى المترادفه إذ الدعاء اتجاه إلى الله فى ضراعه وخشوع ويتحقق ذلك بالمأثور من كتاب وسنة ، وقال الإمام الغزالى ( والأولى أن يدعو بالمآثور فإنه قد يتعدى فى دعائه فيسأل مالا تقتضيه مصلحته فما كل أحد يحسن الدعاء ) وهذه المرأة التى جلست أثناء الطواف لما رأت كل الناس يدعون بلفات ولهجات وهى لا تعرف شيئا من الدعاء فرفعت يديها إلى السماء وقالت ( اللهم إنى إمرأة لا تحسن الدعاء فادعوك بكل ما دعاك به خلقك ) وقد ورد عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن العلماء يحتاج إليهم فى الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنو فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلمون من العلماء .

7- أن يطلب الداعى فى دعائه ما يتفق وتعاليم الشريعه فلا يدعو بشرأ وبإثم فقد جرت العادة أن بعض الناس فى حالة الضيق والغضب قد يدعون على أنفسهم أو على غيرهم بما يؤذيهم قال تعالى ( ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا ) وقد قال صلى الله علية وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لئلا توافق ساعة نيل " إجابة " فيها عطاء فيستجيب لكم ) وقال أيضاً ( ما على الأرض مسلم يدعو الله إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء بمثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعه رحم ) فقال رجل من القوم إذا نكثر يا رسول الله قال الله أكثر ( أى أكثر إجابة ) من دعائكم .

الأوقات التى يؤمل فيها الإجابة

يجب على الداعى أن يغتنم الأوقات التى يؤمل فيها الاجابة وهى : يوم عرفة ، شهر رمضان ، وقت السحر ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفه ينزل تعالى إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الأرض أهل السماء فيقول أنظروا إلى عبادى جاءونى شعثا غبرا جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتى ولم يروا عذابى فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفه ) ) وأما شهر رمضان فلانه الشهر الذى تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الحنة وتصفد الشياطين وينادى فيه ملك : يا باغى الخير أبشر ويا باغى الشر أقصر . أما يوم الجمعة فلأنه اليوم الذى أخبرنا عنه النبى صلى الله عليه وسلم أنه خير أيام الأسبوع فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعه إلا فى يوم جمعة ، وقال أيضاً ( إن فى يوم الجمعة ساعه لا يوافيها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلا اعطاه إياها وهى بعد العصر )

وأما ليلة القدر فقد كان النبى صلى الله علية وسلم يجتهد فيها وهى خير من ألف شهر وأما وقت السحر فلإنه وقت صفاء القلوب وفراغها من المشوشات وقد مدح الله الداعين فى هذا الوقت ( وبالاسحار هم يستغفرون ) ويعقوب عليه السلام أنما قال سوف استغفر لكم ربى ليدعو وقت السحر وقيل إنه قام فى وقت السحر يدعو واولاده خلفه يؤمنون فأوحى الله اليه أنى قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء وقال الرسول صلى الله علية وسلم ( أفرب ما يكون العبد من الرب فى جوف الليل الآخر ( أى ثلث الليل الاخير ) فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله فى تلك الساعه فكن وكذا الدعاء بين الأذانين قال رسول الله صلى الله علية وسلم ( لا يرد الدعاء بين الاذان والاقامة وقال مجاهد : إن الصلاة جعلت فى هذه الاوقات وهى خير ساعات النهار والليل فعليكم بالدعاء خلف الصلوات .

الأماكن المرجو الدعاء فيها

الأماكن المرجو الدعاء فيها لما لها من قدسية : مكة المكرمة ، المدينة المنورة ، موقف عرفات ، بيوت الله فى الأرض وخاصة المساجد التى تشد إليها الرحال

شروط الدعاء المستجاب

1- الاكثار من ذكر الله وطلب المغفرة منه والتوبة إليه توبة نصوحا وذلك لان الطلب من الله هو رأس الاعمال الصالحة .

2- أن يكثر من مخالطة الاخيار لأن مصادقة الأشرار توجب بغض الله فلا يكون أهلا للإجابة .

3- أن يطيب مأكله ومشربة فلا يأكل إلا حلالا طيبا " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر النبى صلى الله عليه وسلم بعدها إن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب . يا رب ومطعمه من حرام ومشربة من حرام وغذى بالحرام فلا يستجاب له ) .

سأل سعد بن أبى وقاص النبى صلى الله علية وسلم أن يدعو له أن يجعله مستجاب الدعاء فقال له : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذى نفسى بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد بنت لحمة من السحت والربا فالنار أولى به .

ما السر فى عدم الاستجابة لبعض الدعاء

- أنه ليس من الحكمة ولا من المصلحة أن يستجاب دعاء الناس جميعا لان مطالبهم متباينة وحاجاتهم متناقضه متضاربه فهم جميعا يريدون الغنى ولو استجاب الله لهم لاستغنوا وطغوا ولم يستطيع أحد أن يسخر غيره فى قضاء مصالحة فتكون النتيجة تعطل المصالح إذن فالحكمة تقتضى أن يكون بين الناس الغنى والفقير والمالك والاجير وقد اشار القرآن إلى ذلك بقوله ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً ) وقوله ( ولو بسط الله الرزق لعبادة لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء )

2- إن الانسان منا فى دعائه يقصد جلب الخير أو دفع الشر ولكن هل كل ما يتصوره الانسان خيرا يكون كذلك أو ما يتصوره الانسان شرا يكون كذلك فليس الخير والشر يكونان حسب تصور الانسان المحدود والتفكير الجاهل بعواقب الأمور " فعسى أن تكرهو شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثير " " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون ".

3- الدعاء نافع للمسلم سواء استجيب أو لم يستجيب فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال ( ما من مسلم دعا الله بدعوة إلا أتاه الله اياها أو صرف عنه من السوء بمثلها إلا أن يدعو باثم أو قطيعه رحم )

4- للدعاء شروط وآداب متى توفرت كان الدعاء مظنة الإجابة .