مع قصة مؤثرة للدكتور عاطف البندارى تحت عنوان «وصية شهيد»:
(أصبح استقبال المستشفى القريب من ميدان التحرير كخلية نحل. تصرخ عربة الإسعاف لتعلن وصول حالتين: الأول طلق نارى فى الرأس، والثانى فقد عينيه وأخذ يصيح. أوصى الأول أمه بأن تعطى قرنيتى عينيه إذا مات لهذا المريض. قالت الأم: «اسكت ستعيش إن شاء الله»، لكنه ابتسم والتفت إلى المصاب فى عينيه وقال: «أنا سعيد لأنك سترى مصر الجديدة بعيونى بعد أن أموت». وفجأة، وقبل أن يدخل غرفة العمليات، شهق وأسلم الروح. صرخت الأم وأخذت تكيل الدعوات على من أطلق الرصاص، وتم نقل المصاب الثانى إلى غرفة العمليات.
فتّح عينيه بعد العملية ليجدها أمامه تنتظره - والدموع تتسابق على خديها - أن يفتح عينيه. قالت: «أنا معك يا بنى لن أتركك، أنت ترى بعينى ابنى». أجهش بالبكاء وقال: «أنا لا أستحق أن تنقلوا لى عين الشهيد». قالت له: «هذه وصية الشهيد لا يمكن أن نخالفها. ابنى حىّ فى الجنة يرى بعينيك انتصار الثورة».
خرج من المستشفى وهو يُحدّث نفسه: «كيف طاوعتنى نفسى أن أقتلهم ببندقيتى من فوق المبنى؟! ولولا أن قدمى انزلقت وسقطت من على السطح وأنا أصوّب عليهم لما كنت عرفت الحقيقة! صحيح أنا فقدت البصر بالعين التى كنت أصوّب بها وهذا هو العدل الإلهى، ولكننى استرددت البصيرة بعين الشهيد)